أول كيلوغرام في العالم لم يُحدَّد بمقارنة مع شيء طبيعي (مثل الحبوب أو الماء بشكل مباشر) بل وُضع له تعريف صناعي دقيق في نهاية القرن الثامن عشر.
🔹 القصة بالتفصيل:
-
في عام 1795، خلال الثورة الفرنسية، قررت فرنسا إنشاء نظام قياس موحّد يعتمد على الطبيعة بدلًا من المقاييس التقليدية.
-
تم تعريف الكيلوغرام أول مرة بأنه:
“كتلة تساوي كتلة لتر واحد من الماء النقي عند درجة تجمده (4 °م تقريبًا حيث تكون كثافة الماء أعظمية).”
-
لصنع معيار عملي ودائم، قام العلماء بصب أسطوانة من البلاتين تساوي هذه الكتلة (لتر ماء ≈ 1000 سم³ = 1 كغ).
-
عام 1799، صُنعت كتلة رسمية من البلاتين سُمّيت كيلوغرام الأرشيف (Kilogramme des Archives)، وأُودعت في باريس لتكون المرجع العالمي.
-
ثم في عام 1889 صُنع النموذج الأشهر: الكيلوغرام الدولي (IPK) من خليط البلاتين والإيريديوم (90% بلاتين + 10% إيريديوم) على شكل أسطوانة صغيرة، ووُضع في المكتب الدولي للأوزان والمقاييس في فرنسا.
-
وظل هذا الجسم المعدني هو المرجع الوحيد للكيلوغرام في العالم لأكثر من 100 عام.
🔹 اليوم (منذ 2019):
لم يعد الكيلوغرام يُعرَّف بواسطة جسم معدني، بل بواسطة ثابت فيزيائي وهو ثابت بلانك، باستخدام ميزان كيبّل (Kibble Balance) الذي يربط الكتلة بالكهرباء والكمية الفيزيائية الأساسية.
يعني:
-
أول كيلوغرام = وُزن بمقارنة لتر ماء.
-
ثم ثُبّت بقطعة بلاتين (المعيار).
-
وأخيرًا صار يُعرَّف بالثوابت الفيزيائية.
1️⃣ تحديد “اللتر”
-
أراد العلماء تعريف وحدة حجم تعتمد على المتر (الوحدة الجديدة وقتها).
-
قالوا: اللتر = مكعب طول ضلعه 10 سنتيمترات (0.1 متر × 0.1 متر × 0.1 متر).
-
إذن الحجم مضبوط هندسيًا (1000 سم³).
2️⃣ اختيار الماء
-
الماء كان أنسب مادة لأنه متوافر في كل مكان وسهل القياس.
-
لكن كثافة الماء تختلف مع الحرارة والضغط والشوائب.
-
لذلك قرروا: يجب أن يكون ماء نقي (مقطَّر)، ودرجة الحرارة 4 °م (حيث الكثافة تكون أعظمية وثابتة تقريبًا).
3️⃣ قياس الكتلة
-
جلبوا أوعية زجاجية أو معدنية على شكل مكعب بحجم لتر واحد مضبوط (1000 سم³).
-
ملأوه بالماء النقي عند درجة حرارة 4 °م.
-
وضعوا هذا الوعاء على ميزان كفّة حساس جدًا بجانب أوزان معدنية تجريبية.
-
عندما تساوت الكفّتان → عرفوا كتلة الماء بدقة.
4️⃣ إنشاء الوزن المعدني
-
بعد أن عرفوا كتلة “لتر الماء” = 1 كيلوغرام، صنعوا أسطوانة من البلاتين بنفس الكتلة.
-
هذه القطعة أصبحت “الكيلوغرام النموذجي” الذي لا يتغير مع الزمن (لأن البلاتين لا يصدأ ولا يتبخر).
🔹 الصعوبة: في زمنهم لم تكن الأدوات دقيقة مثل اليوم. كان هناك تحديات:
-
الحفاظ على ثبات درجة الحرارة عند 4 °م.
-
التأكد أن الماء خالٍ من فقاعات الهواء أو الشوائب.
-
تصحيح وزن الوعاء (طرح كتلة الإناء الفارغ).
-
التعامل مع تأثير ضغط الهواء (لأن الكتل تختلف وزنها قليلًا حسب الطفو الهوائي).
رغم ذلك، نجحوا بشكل مدهش في الوصول لقيمة دقيقة جدًا، ثم اعتمدوا على المعيار المعدني بدل الماء لتجنب كل هذه المشاكل في الاستخدام اليومي.
مشكلة الطفو الهوائي وكيف صححوها لما وزنوا أول كيلوغرام.
🌬️ المشكلة:
-
أي جسم في الهواء يتعرض إلى قوة طفو (زي ما يحدث في الماء لكن أضعف).
-
الهواء له كثافة صغيرة (~1.2 جم/لتر).
-
إذا كان عندك كتلة من المعدن أو إناء فيه ماء، فإن الهواء يدفعه قليلًا لأعلى → فيظهر وزنه على الميزان أخف من وزنه الحقيقي.
مثال مبسّط:
لو عندك وزن حديد 1000 جم حجمه 125 سم³ → الهواء يزيح 125 سم³ × 1.2 جم/لتر ≈ 0.15 جم.
فالميزان يقرأ: 999.85 جم بدل 1000 جم.
🧮 الحل الذي استخدموه:
العلماء وقتها كانوا عباقرة، ففعلوا الآتي:
-
حسبوا حجم الجسم (سواء لتر الماء أو الوزن المعدني).
-
حجم لتر ماء = 1000 سم³ مضبوط.
-
حجم الأسطوانة البلاتينية = معروف من أبعادها.
-
-
قدّروا كثافة الهواء في القاعة (من الحرارة والضغط والرطوبة).
-
صححوا الكتلة باستخدام معادلة:
الكتلة الحقيقية=الكتلة المقاسة+(حجم الجسم×كثافة الهواء)\text{الكتلة الحقيقية} = \text{الكتلة المقاسة} + (\text{حجم الجسم} \times \text{كثافة الهواء})
🎯 النتيجة:
-
بهذه الطريقة حصلوا على وزن أكثر دقة.
-
ولأن الهدف كان تثبيت “كيلوغرام معياري” واحد يُستخدم دائمًا، لم يكن مهمًا أن يعرف الناس التفاصيل الحسابية، بل أن يكون عندهم وزن مرجعي ثابت محفوظ في باريس.
يعني ببساطة:
كانوا يعرفون أن الهواء يخدع الميزان، فحسبوا بالورقة والقلم كم مقدار الخداع وأعادوا إضافته 🔍.
الكيلوغرام الحديث (2019):
⚖️ المشكلة مع الكيلوغرام القديم
-
الكيلوغرام الأصلي (الأسطوانة البلاتين–إيريديوم في باريس) كان هو المرجع الوحيد.
-
لكن مع مرور 100 سنة بدأت المشكلة:
-
الكيلوغرام المرجعي فقد أو اكتسب بضعة ميكروغرامات بسبب التنظيف، الأتربة، أو حتى الذرات العالقة.
-
وبما أنه المرجع الوحيد → أي تغيّر فيه يعني تغيّر في كل قياسات الكتلة في العالم!
-
فالعلماء قرروا: لازم نعرّف الكيلوغرام بطريقة لا تتغير أبدًا، تعتمد على قوانين الطبيعة نفسها.
🔑 الحل: ربط الكيلوغرام بالفيزياء الأساسية
في عام 2019، تم الاتفاق على تعريف جديد:
الكيلوغرام يعرَّف باستخدام ثابت بلانك (h = 6.62607015 × 10⁻³⁴ جول·ثانية)، وهو ثابت فيزيائي لا يتغير أبدًا.
⚡ كيف يقيسون الكيلوغرام اليوم؟
يستخدمون جهاز اسمه: ميزان كيبّل (Kibble Balance)
فكرة عمله (مبسطة):
-
الجهاز عبارة عن ميزان كهربائي–ميكانيكي.
-
في وضع أول: يوازن وزن الكتلة (الجاذبية) ضد قوة كهرومغناطيسية من ملف داخل مجال مغناطيسي.
-
أي: الكتلة ↔ التيار الكهربائي.
-
-
في وضع ثاني: يحرك الملف داخل المجال المغناطيسي ويقيس الجهد الكهربائي الناتج (قانون فاراداي).
-
باستخدام معادلات فيزيائية دقيقة، يربطون الكتلة بـ:
-
الترددات الكهروضوئية (قابلة للقياس بدقة هائلة).
-
ثابت بلانك.
-
🎯 النتيجة:
-
اليوم الكيلوغرام لم يعد “قطعة معدن” بل:
كمية فيزيائية مرتبطة مباشرة بالثوابت الأساسية للطبيعة (ثابت بلانك).
-
هذا يجعله لا يتغير عبر الزمن، ويمكن لأي مختبر في العالم إعادة إنتاجه إذا امتلك الأجهزة.
📌 خلاصة التطور:
-
1795 → كيلوغرام = كتلة لتر ماء عند 4 °م.
-
1799 → كيلوغرام بلاتيني مرجعي.
-
1889 → كيلوغرام بلاتين–إيريديوم (المرجع الدولي).
-
2019 → كيلوغرام = ثابت بلانك باستخدام ميزان كيبّل.
اضف تعليق