داليدا: الحب والموت والشائعات التي لا تموت

داليدا: أسطورة الغناء

الطفولة والبدايات
وُلدت داليدا باسم يولاندا كريستينا جيجليوتي يوم 17 يناير 1933 في حي شبرا بالقاهرة لأبوين من أصل إيطالي. ترعرعت في بيئة فنية وموسيقية؛ فقد كان والدها عازف كمان في دار الأوبرا المصرية، ما منحها منذ الصغر أذنًا موسيقية مرهفة.

المظهر الخارجي والمحنة الصحية
رغم أنها أصبحت لاحقًا من أجمل النساء في عصرها، عانت داليدا في طفولتها من مشكلة صحية في عينيها؛ فقد أصيبت بالتهاب في العيون أدى إلى خضوعها لعدة عمليات، وتركت أثارًا على نظرها، حيث أصيبت بالحول. مما جعلها ترتدي نظارات سميكة في سن مبكر. كانت هذه النظارات سببًا في تعرضها للتنمر من زملائها في المدرسة، وأطلقت عليها بعض الفتيات لقب “ذات النظارات القبيحة” — وهو ما جعلها تعيش طفولة غير سعيدة، مليئة بالوحدة وعدم الثقة بالنفس.

العائلة والصراع الداخلي
في بيتها، كانت تعيش بين أبٍ صارم عاطفيًا وفنان موهوب، وأم حنونة ذات طبع عملي. لكن وفاة والدها عام 1945 – وهي لا تزال في الثانية عشرة من عمرها – شكلت صدمة كبيرة لها، وأثرت في علاقتها بالرجال مستقبلًا، حيث نشأ داخلها نوع من الحنين الدائم إلى الحماية والاحتواء الأبوي.

مراهقتها واكتشافها الأنوثة
تحوّل المظهر وبداية الجاذبية
في أواخر مراهقتها، تغيّر مظهر داليدا بشكل ملحوظ. تحولت من فتاة منطوية إلى شابة تلفت الأنظار بجمالها الملفت وطولها الفارع (كانت بطول 1.7 متر، وهو غير مألوف في بيئتها آنذاك). أصبحت محط أنظار الشبان، وتبدأ في استكشاف أنوثتها وقوتها الجاذبة.

التاج الأول: ملكة جمال مصر
في عام 1954، وفي لحظة مغامرة مدفوعة برغبتها في التحرر من ماضيها الحزين، اشتركت في مسابقة ملكة جمال مصر – وفازت. هذا التتويج فتح لها أبواب عالم الشهرة والأضواء. الصحف تحدثت عنها، والمخرجون بدأوا يطلبونها للتمثيل. ومن هنا، ولدت داليدا الجديدة.

الانتقال إلى فرنسا وصعود النجومية
سافرت داليدا إلى باريس عام 1954 لتحقيق حلمها في التمثيل، لكنها وجدت ضالتها الحقيقية في الغناء. في عام 1956، أطلقت أولى أغانيها “Bambino” التي لاقت نجاحًا هائلًا وجعلتها نجمة في فرنسا خلال فترة قصيرة.

غنت داليدا بلغات متعددة — الفرنسية، الإيطالية، العربية، الإسبانية، الألمانية، وحتى اليابانية — ما مكّنها من الوصول إلى جماهير عالمية. ومن أشهر أغانيها:
“Gigi l’Amoroso”
“Paroles, paroles” (مع ألان ديلون)
“Salma Ya Salama” (التي أحيت بها صلتها بالعالم العربي)

تجاوز رصيدها الفني 1300 أغنية، وبيعت أكثر من 170 مليون نسخة من أعمالها، ما يجعلها إحدى أيقونات الغناء العالمي.

الوجه الآخر: حياة شخصية مضطربة
علاقاتها العاطفية والزواج
رغم تألقها الفني، كانت حياة داليدا العاطفية مأساوية ومليئة بالفشل، إذ تزوجت وطلقت أكثر من مرة، وأحاطت بها سلسلة من قصص الحب المؤلمة التي انتهى بعضها بانتحار الشريك، أو بالانفصال القاسي.

أبرز علاقاتها:
لوسيان موريس – مدير إذاعة أوروبا رقم 1 الذي كان له الفضل في اكتشافها فنيًا
تزوجته عام 1961، لكنه كان زواجًا قصيرًا.
طلقته بعد أقل من عام، لأنه لم يتحمل طبيعة حياتها كنجمة تُحيي الحفلات وتسافر باستمرار.
بعد الطلاق، دخل في حالة اكتئاب، وانتحر عام 1970، ما سبب لداليدا أزمة نفسية عنيفة.

لويجي تانكو – المغني الإيطالي
أحبته بشدة، لكن علاقتهما انتهت بفاجعة عندما انتحر بعد مشاركتهما في مهرجان سانريمو عام 1967. حيث فشلا كلاهما.
داليدا نفسها حاولت الانتحار بعد وفاته. لكنها نجت، بينما بقي الحزن في قلبها.

ريتشارد شانفري (المعروف بلقب الكونت دي سان جيرمان)
رجل غامض وساحر، أقنع الكثيرين بأنه يملك قدرات خارقة.
عاشا قصة حب غير تقليدية، لكنها انتهت بفاجعة: انتحر هو الآخر عام 1983، ما زاد من مأساة داليدا.

علاقات أخرى، منها مع الكاتب الفرنسي جان سوبيسكي والسياسي فرانسوا ميتران، لم تؤدِ إلى استقرار عاطفي طويل الأمد.

نمط متكرر: الرجل الذي يرحل
كانت داليدا تبحث دائمًا عن الحب، لكنها – دون وعي – كانت تنجذب إلى الرجال المعذبين أو غير المستقرين نفسيًا. وربما كان داخلها نوع من الميل إلى “الإنقاذ”، تحاول أن تعطي الحب لمن لا يملكه. لكن هذا النمط جعلها دومًا الطرف المتألم بعد كل انفصال.
حتى عندما كانت تعيش علاقات عاطفية غير معلنة – مثل علاقتها المزعومة مع فرانسوا ميتران قبل أن يصبح رئيسًا لفرنسا – كانت دائمًا تدفع الثمن وحدها: إمّا بالخسارة، أو بالفقد.

أسباب محتملة وراء طلاقها المتكرر
يمكن تلخيص بعض الأسباب المحتملة لطلاق داليدا المتكرر أو فشل علاقاتها في عدة نقاط نفسية واجتماعية وفنية:

1. طبيعة الشهرة والضغوط النفسية
حياة الفنانين لا تُشبه الحياة التقليدية. السفر المستمر، الالتزامات، وانشغال الشريك بالجماهير قد تخلق فجوة عاطفية. يبدو أن داليدا، برغم حبها، لم تستطع إيجاد التوازن بين حياتها المهنية والشخصية.

2. تعلقها العاطفي الشديد
داليدا كانت ذات طبع حساس ورومانسي للغاية، وقد دخلت بعض العلاقات بدافع الحاجة للدفء النفسي. لكن عندما لم تجد الاحتواء الكافي، كانت تنهار عاطفيًا وتقرر الانفصال.

3. شعورها الدائم بالوحدة
رغم الجماهيرية الهائلة، عانت داليدا من وحدة قاتلة. ربما كانت تبحث في الزواج عن من يملأ هذا الفراغ، لكنها لم تجده، فكان الانفصال هو المخرج.

4. جاذبيتها وثقافتها المختلفة
داليدا، بكونها فنانة عالمية ذات خلفية إيطالية-مصرية وتفكير حر، ربما لم تكن تتناسب مع قوالب الزواج التقليدية في أوروبا أو العالم العربي. قد يكون شركاؤها وجدوا صعوبة في “احتواء” حريتها وطموحها، مما أدى إلى التباعد.

5. الصدمة من الانتحارات المتكررة
وفاة أكثر من حبيب لها منتحرًا (لويجي تانكو، لوسيان موريس) خلّف أثرًا نفسيًا عميقًا. ربما أدى ذلك إلى فقدانها للثقة في إمكانية بناء علاقة مستقرة دون خوف من الفقد أو الفشل.

داليدا لم تكن امرأة عادية، بل كانت أشبه بـ”أسطورة من لحم ودم” عاشت حياة استثنائية، فيها الشهرة، والثراء، والجمال، والحزن، والمأساة. لم تكن فضائحها من النوع الصارخ أو الفاضح، لكنها كانت فضائح عاطفية ونفسية وإنسانية، تضعنا أمام أسئلة عميقة عن الشهرة والحب والوحدة.

النهاية الحزينة
ربما كانت داليدا – خلف الكواليس – فتاةً صغيرة لا تزال تبحث عن الحضن الآمن، عن الرجل الذي لا يرحل، عن صوت يقول لها: “لن تواجهي هذا العالم وحدك”.
لكنها لم تجده.
في 3 مايو 1987، بعد حياة مليئة بالأغاني والدموع، قررت أن تكتب بنفسها النهاية، وتركت رسالتها القصيرة:
سامحوني… الحياة لم تعد تُحتمل.”

كانت وفاتها صدمة للعالم، لكنها جاءت بعد سلسلة من المعاناة النفسية التي ظلت تخفيها خلف ابتسامتها وأغانيها الملونة.

إرثها الفني والإنساني
حتى يومنا هذا، تبقى داليدا رمزًا خالدًا للفن والأنوثة المعذبة. يتردد صوتها في أنحاء العالم، ويستمر تأثيرها على أجيال من الفنانين.

كُتب عنها عشرات الكتب، وصُوّرت سيرتها في فيلم سينمائي، وتمثالها لا يزال قائمًا في حي مونمارتر في باريس، حيث كانت تسكن، كتذكار دائم لامرأة أحبها الملايين، وعانت بصمت.

أبرز الفضائح والشائعات التي ارتبطت باسم داليدا
1. علاقاتها العاطفية المتعددة والانتحارات المتكررة
ربما ليست فضيحة بالمعنى الكلاسيكي، لكنها كانت مثيرة للجدل:
ارتبطت داليدا بأكثر من رجل، وانتحر ثلاثة منهم على الأقل بعد علاقتهم بها.
هذا جعل الإعلام يطلق عليها ألقابًا قاسية مثل:
“الملاك الملعون” أو “المرأة التي تجلب الموت”.
الضحايا الثلاثة:
لويجي تانكو – انتحر بعد فشل أغنيتهما في مهرجان سانريمو.
لوسيان موريس – زوجها الأول، انتحر بعد الطلاق.
ريتشارد شانفري – عشيقها المعروف بـ”الكونت”، انتحر عام 1983.
رغم أن هذه الانتحارات لا تُلام فيها بشكل مباشر، فإن تكرار المأساة حولها إلى مادة للشائعات القاسية.

2. شائعة علاقتها بفرانسوا ميتران
انتشرت في الصحافة الفرنسية شائعة قوية تفيد أن داليدا كانت على علاقة عاطفية بفرانسوا ميتران، قبل أن يصبح رئيسًا للجمهورية الفرنسية.
لم تؤكد داليدا هذه العلاقة أبدًا، لكنها لم تنفها صراحة.
بعض المقربين أكدوا أن بينهما كان يوجد احترام متبادل وجاذبية فكرية وعاطفية.
هذه العلاقة، إن صحت، فقد تكون جمعت بين الفن والسياسة في خفاء، ما يزيدها إثارة وغموضًا.

3. إشاعات الميول الجنسية
لفترة من الزمن، ترددت إشاعات في الأوساط الفنية الفرنسية بأن داليدا ربما كانت ثنائية الميول الجنسية (Bisexual) أو أنها خاضت علاقات “غامضة” مع نساء.
السبب وراء هذه الشائعة يعود إلى قربها العاطفي من بعض النساء في الوسط الفني، وغياب علاقة مستقرة طويلة الأمد مع رجل في حياتها.
لم تظهر أدلة حقيقية على صحة هذه الإشاعات، لكن الإعلام لم يرحم، خصوصًا في ستينات وسبعينات القرن العشرين. كانت داليدا مقربة جدًا من نساء في الوسط الفني والثقافي الفرنسي، مثل المصممة Coco Chanel والممثلة Simone Signoret، وغيرهن

4. الإجهاض السري
من أكبر أسرار حياتها التي ظهرت لاحقًا، أن داليدا خضعت لعملية إجهاض بعد علاقتها مع لويجي تانكو.
لم تكن راغبة في أن تربي طفلاً دون زواج في مجتمع محافظ، ولا كانت حالتها النفسية تسمح.
لكن هذه التجربة تركت أثرًا نفسيًا عميقًا فيها.
بعد هذه الحادثة، لم تستطع الإنجاب مرة أخرى، ما عمّق شعورها بالوحدة والندم، وأصبح أحد دوافع اكتئابها لاحقًا.

5. شائعة علاقتها بالماسونية أو الطقوس السرية
نظرًا لغموض بعض جوانب شخصيتها، وعلاقتها بـ”ريتشارد شانفري” الذي كان يلقب نفسه بـ”الكونت سان جيرمان” ويدّعي امتلاك قدرات خفية، ظهرت شائعات تزعم أن داليدا كانت متورطة في حلقات سرية أو جماعات روحانية.
لا يوجد أي دليل ملموس على ذلك.
لكن وجودها في أوساط مثقفة، تجريبية، ومتحررة فنيًا جعل البعض ينسج نظريات عنها، خاصة بعد انتحارها.

6. أصولها المصرية وعلاقتها بالهوية
في بعض مراحل حياتها، خصوصًا بداياتها في فرنسا، أنكرت أصولها المصرية لفترة قصيرة لتسهيل اندماجها في الساحة الفرنسية.
قيل إنها غيرت لهجتها وتفادت الحديث عن مصر علنًا في بداياتها، مما عرضها للنقد.
لكنها عادت لاحقًا لتفخر بجذورها وأطلقت أغنية “سالمة يا سلامة”، التي كانت بمثابة عودة روحانية وفنية إلى الشرق.

اضف تعليق

تعليقات الفيسبوك