سقطرى… قصيدة الطبيعة الخالدة
هناك، في أقصى أطراف الحلم، تنام جزيرة سقطرى كجوهرةٍ أودعتها الآلهة في حضن المحيط الهندي، بعيدًا عن صخب العالم، بعيدًا عن الأيادي العابثة.
جزيرة لا تشبه سوى نفسها.
حين تدنو منها، تشعر أن البحر يغير نغمة أمواجه احترامًا لها، وأن الريح تهدئ خطاها وهي تقترب من شواطئها البيضاء، وكأن الطبيعة كلها تتآمر لتصنع لها أسطورةً تليق بها.
تزخر `هذه الجزيرة بعجائب طبيعية فريدة من نوعها، وتُعدّ كنزًا بيئيًا وإنسانيًا نادرًا.

فهي تقع في الجزء الغربي من المحيط الهندي، بالقرب من خليج عدن، وتبعد حوالي 350 كيلومترًا عن الساحل الجنوبي لليمن. وهي الجزء الأكبر من أرخبيل مكوّن من أربع جزر رئيسية وعدد من الجزر الصغيرة والصخور البحرية. تتمتع الجزيرة بموقع استراتيجي مهم، إذ تتحكم بطرق الملاحة البحرية بين آسيا وأوروبا عبر قناة السويس.

أرض الأشجار النازفة
تمشي فوق ترابها، فتطالعك شجرة دم الأخوين، شامخة ككاهنةٍ من زمنٍ غابر. جذعها العجوز ينزف عصارةً حمراء بلون الدم عند شقّها، كما لو أنها تحمل أسرار قرون طويلة من الأساطير والصلوات والطبابة الطبيعية.
تحت ظلالها، يهمس لك النسيم بأغنياتٍ قديمة، وتكاد تسمع وقع خطى القوافل التي مرت هنا ذات زمن، حاملة الطيب والبخور، قبل أن تبتلعها أسرار الرمال.
حين تخترقك الوحشة.. ويحضنك الجمال
في سقطرى، تظن لوهلة أنك على كوكب آخر.
الأرض هنا تتفتح عن كهوف هوك المظلمة، تخبئ بداخلها رسائل قديمة، وخفافيش تروي قصص الظلام.
السماء تنفلق عن نجوم أقرب، أكثر وهجًا، وكأنها تحنو عليك.
البحر، بألوانه اللازوردية الصافية، يمتد بلا نهاية، يحتضن الشواطئ كعاشقٍ مشتاق، وتكاد رماله الناعمة تبكي تحت قدميك حين تغادر.
لغة بلا حروف.. وشعب من الزمن الجميل
في سقطرى، تتكلم الريح لغة السقطريين، تلك اللغة التي لا تُكتب لكنها تحيا على الألسنة كالأنفاس، فتمنحهم هويةً تتحدى العصور.
هؤلاء الناس، بوجوههم المضيئة، يحيون ببساطة خارجة من كتب الحكمة القديمة. يزرعون، ويرعون، ويبحرون، ولا تزال نظراتهم تحمل عمق البحر وسر الشجر وصبر الجبال.
هم مزيج من العرب والآسيويين والأفارقة يبلغ عددهم الستون ألفاً ..
الحلم المهدد
لكن هذا الحلم ليس خالدًا كما يبدو.
رياح التغيير تهب على الجزيرة.
خطر الزحف العشوائي، والعبث بمخزونها الطبيعي، والتغيرات المناخية القاسية، كلها تهدد بأن تستيقظ سقطرى ذات يوم فلا تجد أحلامها بانتظارها.
ولهذا، فإن كل زائر حقيقي، يجب أن يكون شاعرًا قبل أن يكون سائحًا؛ شاعرًا يعرف أن كل خطوة فوق ترابها، وكل همسة في كهوفها، وكل نظرة نحو أشجارها العتيقة، هي وعدٌ بأن يحميها من النسيان والضياع.
خاتمة: جزيرة لا تُشبه إلا نفسها
سقطرى ليست مجرد جزيرة، بل قصيدة مكتوبة بلغة الأشجار، ومرسومة بألوان البحر، ومغنّاة بأصوات الريح.
هي دعوة لأن نتذكر أن على هذا الكوكب أماكن لا تزال طاهرة، أماكن يجب أن تُزار كما تُزار المعابد: بخشوع، وبقلبٍ يعرف كيف ينصت حين تصمت الأرض.






اضف تعليق